أفضلُ تفسير نزلَ في هذا العصر لآيـة المباهلة للعلامَة الشيخ الحجاري الرميثي
صفحة 1 من اصل 1
أفضلُ تفسير نزلَ في هذا العصر لآيـة المباهلة للعلامَة الشيخ الحجاري الرميثي
سُورَةُ آل عمْران الجزءُ الثالِث
مِنَ القُرآن تَفسِير آيَة المُباهَلة
فَمَنْ حَاجَّـكَ فِيـهِ مِـنْ بَعْـدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْـمِ فَقـُلْ تَعَالـُوْا
نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَـا مِنْ إِلَـهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُـوَ الْعَزِيـزُ
الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّـوْا فَإِنَّ اللـَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) الهاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلْ مِنْ كَلِمَة ( فِيهِ ) عائِدَةٌ عَلى
ذِكْرِ عِيسى بنُ مَريَـم: فَمَّنْ جادَلَكَ يا مُحَمَد فِي عِيسى مِنْ وَفـْدِ نَصارى
نَجْران وَهُـم المَسِيحِيُونَ: مِنهُم الكَاهِـنُ وَالسَيِّد وَمَـنْ مَعَهُما مِـنْ كِـبارِ
القـَوْمِ, وَكانَ عَلى رَأسِـهِم أبُـو الحارثُ أَسْقَف: فَقـُلْ لِهؤلاءِ ( مِنْ بَعْـدِ
مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) لِتَخْبِرَهُم بالحَـقِّ النازِلُ إلَيكَ عَـنْ عِـيسى, فإنْ لـَمْ
يَسْتَجِيبُوا لأُنْزِلَ عَليْهِم اسْتِحقاق غَضَبِي مِنْ حَيثُ لاّ تُفارقََهُم اللَّعنَة وَلاَّ
يُخَفَف عَنهُم العَذاب وَلاّ هُم يُمْهَلُونَ,,
وَفِي ثَمَةِ يَـومٍ قالَ: أبُـو الحارث إلى خازِنِ أسْرارِهِ دَعوتـُكَ يا شُرحَبيلُ
لأمْرٍ قَدْ أراعَنِي وَأفزَعَنِي أرَقاً مّا اسْتَطَعتُ أنْ أنفَردَ بِهِ أوْ أسْتَقِلَ برَأيِّ
فِيهِ فَجاءَنِي اليَوْم كِتابٌ مِنْ مُحَمدٍ أبْنُ عَبد اللهِ يَدعُوَّنِي فِيهِ لِدِينِ يُسَّمِهُ
الإسْلام,, ثـُمَ خَيْرَنِي فِيـهِ بَـيْنَ اثـنتَيْنِ أنْ أُبَـيْتُ بَـيْنَ الجِزَيَـةِ أوْ الحَربِ
فَذُعِرْتُ مِمّا تَوَعَدَنِي وَلاّ أدري مّاذا أفَعَـل بـِرَّدِ كِتابِهِ: فَقالَ لـَهُ شُرحَبيل
إنِي قَََدْ عَلِمْتُ مّا وَعَدَ اللهُ بِمُحَمدٍ مِنْ النبُوَّةِ في ذِريَةِ إسْماعِيلَ فإنَهُ أمْرٌ
سَماوِّيٌ فَلِمّا لاّ تـُؤمِن إنَهُ الخاتَمُ للنُبُوَةِ أنْ تَتَبِعَهُ, أوْ يَكُونَ بِخِلافِهِ دَفع
الجِزيَة أمْ الحَرب, فَرَمى عَنْ قََوْسِ كَلامِهِ وَصَرَفَهُ,,
ثـُمَ دَعا إليهِ آخَرٌ يُريد الاسْتِعانَةَ بـِهِ فَمّا زادَ في كَلامِهِ حَتى أَجابَ مِثلَمّا
قالَ لَهُ شُرحَبيل: ثمَ دَعا إليهِ ثالِثاً مِنْ كِبارِ قَوْمِهِ فقالَ هكَذا ما وَعَـدَ اللهُ
بِنُبُوَةِ مُحَمدٍ ابْنُ عَـبدِ الله, فَلَّمّا رآهُم قَـَدْ اسْتَقامُوا فِي رَأيهِم بأنَ مُحَمَداً
هُـوَ الخاتَمُ للنُبُوَةِ دَعاهُ وَقوْمَهُ لِلإسْلام: أمَـرَ بالنَواقِيسِ أنْ تـُدَقَ إيـذاناً
بالدَعوَةِ وَإعلانَاً لِلإتـِمارِ عَلى أنْ يَذهَـبَ وَفـْدٌ مِـنْ الكَهَنِةِ وَالأحـْبارِ إلى
لِقاءِ مُحَمَدٍ يُحاجُـوه وَيُجادِلـُوه فِي دِينِهِ بَعدَمّا أعلَنَهُم بِكِتابِهِ وَفاوَضَهُم
فِيمّا يَفعَل فبَّيَنَ لَهُم وجُوه الأمْرِ بأنْ لاّ يَذعَنُوا إلاّ لِمَنَ تَبَعَ دِينَهُم خِشْيَةً
أنْ يُدعى مُحَمدٌ أنَهُ أُوتى مِنْ رَبـِهِ مِثلَمّا هُـوَ عِندَهُم فِي دِينِ المَسِيح،,
فَتَجَمَعَ لَفِيفَهُم عَلى قِداحِ الرَّأي الواحِد في رَدِّ كِتابِ النَبِّي وَإبعادَهُ عَنهُم
دُونَ الجِزيَـةِ أوْ الحَرب, وَمّا انتَهُوا إلى أنْ يَذهَـبَ وَفـدٌ مِنهُم إلى لِـقاءِ
مُحَمَدٍ لِيُحاجُوه فِي عِيسى عَليهِ السَلام,,
فَلَمّا دَخَلُوا مَسْجَد رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ, قالَ شُرحَبيل صاحِب
كَلِمَتَهُم: يا مُحَمَد لَقـَدْ عَلِمْتَ إنَنا نَصارى بَنِـي نَجْران: وَلكِنْ نَسألُكَ إنْ
كُنتَ نَبِّياً لِلأمَةِ جَمْعاء أنْ نَسْمَعَ مِنكَ ما تَقول: فَهَلْ رَأيْتَ وَلَداً مِنْ غَيْرِ
ذِكِرٍ وُلِدَ: فقالَ صَلى اللـَّهُ عَليهِ وَآلِهِ: لَيْسَ عِندِي مِنْ شَيءٍ أخْبِرَكُم بـِهِ
عَـنْ عِيسى فأقِيمُوا عِندِي هذِهِ اللَّيْلَةَ حَتى أخْبِرُكُم بِمّا يَقُول الوَحِي فِي
عِيسى,, وَبَينَمّا هُـم كَذلِكَ, فنزَلتْ عَليهِ بِحَقِّ عِيسى آيَـة: وَقوْلـَهُ تَعالى
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
فقرَأُها النَبّـِيُ الأكْـرَم عَليهِم: وَالمَعنى إنَها نَزَلَـت رَداً عَلى بَنِّـي نَجْـران
حِينَ اتَهَمُوا عِيسى إلهاً لَهُم مِنْ دُونِ اللـَّهِ وَهِيَّ تَذكِرَةٌ بأنَ المَسِيحَ بـنُ
مَريـَمَ هُـوَ إنسانٌ وُلِـدَ وَعاشَ كَبقِيةِ الناسِ وَلاّ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ إلهاً لَهُم
فَسْتَدَلَ بَنُو نَجْران بِشَأنِ إلُوهِيَةِ عِيسى رَبَّهُم, وَالبَعضُ قالَ إنَهُ ابْنُ الله
وُلِدَ مِنْ غَيرِ أبٍ فَضَربَ اللهُ مثَل عِيسى بخَلْقِ آدَم بصُورةٍ أعَجَب لَعَلَهُم
يَهتَدُون, وَكانَ أمْرُهُ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ أنْ يَقولَ لَهُم: أنَ شأنَ عِيسى
فِي خَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ أبٍ كَشَأنِ آدَم فِي خَلْقِهِ مِنْ تُرابٍ مِنْ غـَيْرٍ أُمٍ وَلاّ أَبٍ
فقَد صَوَّرَهُ الله وَأرادَهُ أنْ يَكُونَ نَبِِّياً فكانَ بَشَراً سَوِّياً,, فَكَيْفَ تَزْعَمُونَ
أنَ عِيسى ابْـنُ اللـَّه مِمّا يََسْتَدعِي العَجَب بَينَكُم عَكْـسُ ما تَتَذكِرُونَ آدَم
خُلِقَ مِنْ تُرابٍ, أفلا تَنظِرُونَ إلى المَيْسُورِ وَالمَعسُورِ وَالعَقـِيمِ وَالسَلِيم
إنَهُم لاّ يَتَحَقَقُونَ إلاّ عَلى إرادَةِ اللهِ تَعالى وَقولَهُ (إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقولَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يّس:82) وَبِهذا أرادَ اللهُ سُبْحانَهُ تَعالى أنْ يَخْلُقَ عِيسى
بِكَلِمَةٍ مِنهُ (قَالَ لَـهُ كُـنْ فَيَكُونُ)(59) يَعنِى: مَنْ كانَتْ قدرَتَهُ مُطلَقَةٌٌ في
التَخْلِيقِ فلاّ مَفهُومٌ لِلصَعبِ وَالسَهْلِ بالنسْبَةِ إلى اللـَّهِ أنْ يَخْلـُقَ عِيسى
مِـنْ عَـذراءٍ تَحمِلُ وَتَلـِدُ مِـنْ دُونِ الاتِصالِ الجِنسِي وَنفـُوذِ الحَيْمَن فِي
البُوَيْضَةِ (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ)
وَالمُرادُ: مِـنْ خَلْقِ عِيسى كَمَثَلِ آدَم مِنْ تـُرابٍ: فإنَ تـُرْبَةَ الإِنسانُ هِيَّ
رَمْـسُهُ, وَتـُربَةُ الأَرض ظاهِرُها, وَرَمَسْتُ المَـيْت دفنتـُهُ فهُوَ مَرْمُوسٌ
بِقبْـرِهِ مُسْـتوِّياً مَعَ وَجْـهِ الأَرضِ، كَـمّا وَردَ ذلِكَ قـُرآناً فِي قَوْلِـهِ تَـعالى
(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)(طه55) فَهذا
هُوَ (الْحَقُّ) يا مُحَمَد (مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) الخِطابُ لاّ يُعتَبَر
تَهْديدٌ لِلنَبِّي, إمّا أنْ يَكُونَ مِنْ بابِ تَذكِرَةً لِزيادَةِ الثَباتِ لَـهُ عَلى هؤلاءِ
المُمْتَرين, لأنَهُ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ مَعصُومٌ مِنَ الامْتِراءِ وَالمَعنى فِيهِ
إنـَهُ مُتَوجِهٌ كَمّا فِي نَظائِـر قَوْلِـهِ تَعالى إلى أُمَتِي مُحَمدٍ فِي النَهِي عَـنْ
الشَـكِ وَالارتِـيابِ أنْ لاّ يَتَبِعُــوا أهْـواءَ الذِيـنَ كَفـَرُوا مِـنْ أهْـلِ الكِـتابِ
وَالمُشْركِينَ المُتَمَردِينَ فِي كِتمانِهِم الحَقِّ مَعَ العِلْمِ بـِهِ مِنَ الامْتِراءِ فِي
دافِعِ اليَقين,,
وَالمُرادُ مِن جَوْهَرِ مَعنى الآيَة أنْ لاّ يَكُونَ المُسْلِمُ مِنْ أمَةِ مُحَمَدِ كَصِفَةِ
المُمْتَري الكافِـر وَهُـوَ الشاكُ بِدافِـعِ اليَقِيـن المُجادِل لِيَسْتَخرِجَ مّـا عِـندَ
خَصْمِهِ مِنَ القوْلِ وَالبَينَةِ فِي إبطالِها, وَقَدْ تَصَلَبَ بَنِي نَجْران فِي العَنادِ
عَلى بـطْلانِ بَراهِـينِ النبيِّ مُحِمَدٍ بعدَمّا أقـامَ عَليْهِم الحِجَةَ بِأنَ عِـيسى
عَبْدٌ للهِ وَرَسُولِهِ المُبَلِغ لِرسالَتِهِ السَماوِّيَةِ كَسائِرِ غَيْرِهِ مِنَ الأنبياءِ,,
وَالآيَة نَزَلَت تِأكِيداً لِرَدعِهِم فِي شِرْكِهِم باللهِ تَعالى (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ العَزيزُ
الحَكِيـم) أَيْ: لاّ أحَـدٌ يُعادِلـُهُ وَيُساوِّيـه فِـي القـُدرَةِ وَالحِكْمَـةِ والإعـْجاز
لِيُشاركُهُ فِي الألُوهِيَةِ,,
وَنـُقِلَ عَنْ بَعضِ عُلماءِ الرُوم فقالَ يا بَنـُو نَجْران: لِمَ تَعبِدُونَ عِيسى؟؟
قالُوا لأنـَهُ لاّ أَبٌ لَـهُ: قالَ فآدَمُ أوْلى لأنَهُ لاّ أبَوَّين لَـهُ, قالـُوا كانَ يُحيِّي
المَوْتى, قالَ فَحزقِيلُ أوْلى لأنَ عِيسى أحـْيَّا أرَبَعَةَ نَفـرٍ, وَحزقِيل ثَمانيَةَ
آلافٍ, فَقالُوا كانَ يُبْرئ الأكْمَه وَالأبْرَص, قالَ فَجُرْجِيسُ أوْلى لأنَهُ طُبِخَ
وَأُحرِقَ ثُمَ قامَ سالِماً,,
ثـُمَ أمَرَ اللـَّهُ تَعالى رَسَولَهُ مُحَمَدٍ بتَوْبِيخِهِم عَلى اسْتِمْرارهِم عَلى الكُفْرِ
وَالضَّلالِ وَالتَضْلِيلِ: وَقالَ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) ثُمَ أكَـدَ
لَهُم النَبِّـيُ الأكْـرَم ظلْمَهُم بالصُورَةِ الأعجَب مَثَلُ عِيسى خُـلِقَ كَآدَمٍ مِـنْ
تُرابٍ, فَوَضَعَ لَهُم المَظْهَر مَوْضِع المُضْمِر وَقالَ سَوَفَ يُنزِل الله تَعالى
بِكُم العَذابَّيْنِ وَأنتُم تَعرفُونَ أنَ عِقابَ الله فِي الدُنيا عَلى مِثْلِ هذا الفَسادِ
عَظِيم إذا مَا لَمْ تَأتـُوا إلى كَلِمَةٍ عادِلَةٍ سَـواءٍ,, وَمِـنْ ثـُمَ يُؤتِكُم العَـذابُ
العَظِيم بِسَبَبِ كُفرِكُم بآياتِ اللـَّهِ فِي اليَوْمِ الذِي تَسْوَّدُ بالحُزنِ وجُوهِكُم
وَتَبْيَضُ بالسِرُورِ فِيهِ وجُوه المُؤمِنِينَ وَلَهُم الجَنَةَ التِي وَعَدَهُم اللهُ بِها
هُم فِيها خالِدُون,,
فَأعرَضُوا عَـنْ النبِّي بَعـدَ أنْ تـَلاّ عَليهِم البَراهِينُ المُؤكَدَة طالِبينَ دِيـناً
غَيْر دِين مُحَمَدٍ لِيَزدادُوا جِحُوداً وَفَساداً وَإيذاءً لِلمُؤمِنِينَ,,
ثَمَ أخبْرَ اللـَّهُ رَسُولَهُ أنْ يُباهُلَ أهْـلُ نَصارى نَجْران: وَقالَ (فَقـُلْ تَعَالَوْا
نـَدْعُ أَبْنَاءَنَـا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَـا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفـُسَنَا وَأَنْفـُسَكُمْ ثـُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)
المُباهَلَةُ هِيَّ المُلاعَنَةُ, وَاللَّعنَةُ هِيَّ الإبْعادُ عَـنْ رَحمَةِ اللهِ, وَالمَقصُودُ
مِنْها أنْ يَجْتَمِعَ القـَوْمُ إذا اختَلفـُوا فِي شَيءٍ فيَقولـُونَ لَعنَتَ اللـَّهِ عَلى
الظالِمِ مِنّا,,
وَكانَ سَبَبُ نِزُولَ هِذِه الآيَـة: أنَ وَفـدَ نَصارى نَجْران حِينَ قدِمُوا مَدِينَة
رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ: جَعَلـُوا يُجادِلُونَ الرَسُول فِي نَبِيِّ اللـَّهِ
عِيسى عَليهِ السَلام وَيَزعَمُونَ فِيهِ ما يَزعَمُونَ فِي إلُوهِيَتِهِ إنَهُ رَبٌ لَهُم
فَدَعا النَبِّيُ العاقِب وَالطَّيْب إلى الإسْلام فقالا أسْلَمْنا يامُحَمَد قبْلَ دَعوَتِكَ
التِي دَعَوْتَنا بِها لِلإسْلامِ قالَ النَبِّيُ الأكرَم كَذَبْتُما إنْ شِئتُمّا أخْبَرتَكُمّا بِمّا
يَمْنَعكُمّا مِـنَ الإسْلام, قـالا هات يا مُحَمَد مّا عِندَكَ: قالَ فِـي دِينِكُـم حُـبِّ
الصَلِيبِ: وَشرْبِ الخَمْر: وَأكْـلِ الخِنزير, فَسَكَتا عَـنْ الإجابَـةِ,, فَدَعاهُم
الرَسُول وَأعلَنَهُم فِيمّا جاءَ الفَصْلُ فِي أمْرِهِم قـُرآناً, فإنْ لَمْ يَذعَنُوا وَلَمْ
يَعتَقِدُوا بِمّا جاءَ بِهِ النَبِّيُ مَنَ الحَقِّ فَليَجْمَعَ النَبِّيُ المُسْلِمُونَ مِنْ قرَيشٍ
وَالمُحاجُونَ مِـنْ أهْـلِ الكِتابِ فِي صَعِيدٍ واحِـدٍ رجالاً وَنِساءً وَأطفالاً ثـُمَ
يَبتَهِلُوا الطَرفان وَيُنزلُوا لَعنَتَ اللهِ عَلى مَنْ كانَ مِنهُمّا كاذِباً وَكانَ أمْرُهُ
صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ أنْ يَقـُولَ لِوَفـْدِ نَجْران: إنِي سَأدعُو أبْنائِي, وَأنْتـُم
ادعُـوا أبْناءَكُـم, وَأدعُـو نِسائِي, وَأنتـُم ادعُـوا نِساءَكُم، وأدعُـو نَفـسِي
وَتَدعُونَ أنتُم أنفُسَكُم, فِعندَها نَدعُوا الله تَعالى بَيْنَنا أنْ يُنْزِّلَ لَعنَتَهُ عَلى
الكاذِبِ مِنّا,,
فَقالَ الأسْقفُ: دَعنا يا مُحمَد نَتَشاوَر بَينَنا, ثـُمَ نَفضِي إليكَ بِمّا اشتَرطْنا
فِي رَأيِِّنا بانتِهائِهِ, فَجاءَ شُرحَبيل إلى النَبي وَقالَ: إني رَأيتُ خَـيْراً مِـنْ
مُلاعَنَتِكَ قالَ النَبِّيُ وَمّا هُوَ: قالَ حُكْمُكَ اليَوْم إلى اللَّيْلِ وَلَيْتـُكَ خَبَرَهُ إلى
الصَباحِ فمّا حَكَمْتَ فِينا فَهُوَ جائزٌ عِندَنا, قالَ رَسُولُ الله ياشُرحَبيلُ لَعَلَ
وَراءَكَ أحَداً يَلـُومَكَ بِذلِك: قالَ سَـلْ أصْحابي فإنَ الوادِي كَبيرُنا ما يَـرِّد
لِي أمْراً وَمّا يُصْدِر قََـَوْلاً إلاّ عَنْ رَأيِّي,, قالَ النَبِّيُ اذهَبُوا الآن عَلى أنْ
تَعُودُوا غـَداً لِلمُباهَلَةِ, فواعَدُوه أنْ يَغدُوا بالغَدوَةِ, فلَمّا تَخالـُوا بأمْرِهِم
التَجَئُوا إلى العاقِبِ الكاهِنِ وَكانَ ذا سَـدادٍ فِي عِلْـمِ دِينِهِم: قالـُوا يا عَبدُ
المَسِيح مّا تَرى فِي مُحَمَدٍ بأمْرِ المُباهَلَة؟؟
قالَ وَاللهِ لَقدْ عِرفتُم يا مَعشَرَ النَصارى أنَ مُحَمَداً نَبِّيُ رُسُلٍ وَلَقدْ جاءَكُم
بالفَضْلِ مِنْ أمْـرِ عِيسى إنجِيلاً إنـَهُ النَبِّيُ المُبَشرُ مِنْ بَعدِهِ: فَلا تُباهِلُوه
فِي دِينِهِ وَأهْل بَيتِهِ الذِينَ مَعَهُ, وَاللهِ مّا باهَلَ قوْمٌ نَبِّياً قَطْ فعاشَ كَبيرَهُم
وَلاّ نَبَتَ صَغيرَهُم وَلَئِنْ فَعلْتُم لَتَهْلُكَنَ: وَإنْ أبَيْتُم إلاّ ألف دِينَكُم وَالإقامَة
عَلى مّا أنتـُم عَلَيه, فوادِعُوا مُحَمَد أبنُ عـَبد اللـَّهِ بِخَيرٍ وَانصَرِفـُوا إلى
بلادِكُم تَسْلَمُونَ,,
إنزِل تَحَت وَأكْمِل قِراءَة التَفسِير
الشيخ الحجاري الرميثي
أفضلُ تفسير نزلَ في هذا العصر لآيـة المباهلة للعلامَة الشيخ الحجاري الرميثي
(2)(تابِعٌ لِتَفسِيرِ آيَةِ المُباهَلَة)
فلًًمّا جاءَ يَوْمُ غـَدٍ فآتـُوا النَبِّي صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ: وَقَـَدْ غـَدا مُحتَضِناً
الحُسَينِ وَآخِذاً بيَدِ الحَسَنِ, وَفاطمَةُ الزَهراء تَمْشِي خلْفِ أبِيها, وَعليٌ
خَلْفَها, وَهُـوَ يَقـُول: إذا أنا دَعوْتُ فأمِنـُوا,, وَخَرَجَ مِـنْ بَينِهِم أسْقفَهُم
الكاهِن الأعظَم يَتَقدَم إلى النبيِّ فلَّمّا رَأى النَبِّي صَلى اللهُ عليهِ وَآلهِ قـَدْ
أقبْلَ بمَنْ مَعَهُ فسَألَ عَنهُم فقِيلَ لَهُ هذا عَليُ ابْن عَمَهُ وَزَوْج ابنَتَهُ وَإنَهُ
أحَبُ الخَلْقَ إلَيهِ, وَهذان أبْنا بنْتَهُ مِنْ عَليِّ: وَهـذِهِ الجاريَة بنْتهُ فاطِمَةُ
الزَهْراء هِيَّ أعَزُ الناسَ عَليهِ وَأقربَهُم إلى قِلْبِهِ,,
فَتَقدَّمَ رَسُولُ الله فَجَثا عَلى رُكبَتَيهِ: وَقالَ أبُـو حارثَةَ الأسْقَف جَثا وَاللهِ
مُحَمَدٌ كَمّا جَثا الأنبياءُ لِلمُباهَلَةِ فرَجَعَ الأسْقفُ وَلَمْ يَتَقدَم للمُباهَلَةِ وَقالَ
يا مَعشَرَ النَصارى إنِي لاّ أرى وجُوهاً لـَوْ شاءَ اللـَّهُ أنْ يُزيلَ جَـبْلاً مِنْ
مَكانِهِ لأزالَهُ بِهذهِ الوجُوه فلاّ تَباهِلُوا مُحَمدٌ فتَهْلكُوا فلاّ يَبْقَ عَلى وَجْهِ
الأرضِ نَصرانِيٌّ إلى يَوْمِ القِيامَةِ,,
قالُوا رَأيْنا أنْ لاّ نُباهلُكَ يا مُحَمَد وَلاّ نَقرُكَ عَلى دِينِكَ ونُثَبِتَ أمْرَنا عَلى
دِينَنا دِين المَسِيح بنُ مَريَم بِشَرائِعِهِ,,
قالَ النَبِّيُ فإذا أبَيْتمُ عَنْ المُباهَلَةِ فاسْلِمُوا يَكُنْ لَكُم مّا لِلمُسلِمِينَ وَعلَيْكُم
مّا عَليْهُم, فأبُوا أنْ يَطِيعُوا قَـَوْلَ رَسُول اللـَّهِ, فَقالَ النَبِّيُ يا بَنِِّي نَجْران
الأمْرُ يَتَطَلَب بِشَرطِهِ أنْ تَسْلِمُوا لِهذا الدِين وَإلاّ تَدفَعُونَ الجِزيَةَ فِي كُلِّ
عـامٍ,, قالـُوا نَدفَعُها لَكَ وَمّا لـَنا بِحَـرْبِ العَـرَبِ طاقـَةً, وَلكِـن نـُصالِحُكَ
يا مُحَمَد عَلى أنْ لاّ تَغزُوَّنا, وَلاّ تَخِيفَنا فِي تَوْحِدَنا هـذا, وَلاّ تَردَنا عَـنْ
دِينَنا عَلى أنْ نُؤدِي لكَ كُلِّ عامٍ ألفَيِّ حِلَةٍ ألَفاً تُؤدِيَ لَكَ في صَفَرِ: وَألفاً
تُؤدِيَ فِي رَجَبٍ, وَنَزيدُكَ ثَلاثونَ دُرعاً مِنَ حَدِيدٍ, فصالَحَهُم النبِّيُ صَلى
اللـَّهُ عَليهِ وآلِـهِ عَلى ذلِكَ, وَقالَ: وَالذِي نَفسِي بيَدِهِ أنَ الهَلاكَ قـَدْ تـَدَلى
علَيْكُم وَلَـوْ أنَكُم لاعَنْتـُم لَمَسَخَكُمُ اللـَّه قِـرَدَةً وَخَنازيـرَ كَمّا مَسَخَ اليَهُـود
مِنْ قَبلِكُم,,
فاتَفـَقَ رَأيْـهُم أنْ لاّ يُجِيبُـوا الرَسُول الكَريـم, لأنَهُم عَرفـُوا إنْ باهَلـُوه
في دِيِنِهِ وَأهْـلِ بَيتِهِ هُلِكُـوا جَمِيعاً، فَبَذلـُوا لَـهُ الجِزيَة بَـدَلاً عَـنْ وقـُوعِ
الحَـربِ عَلى أنْ يَضَّـلَ كُـلُّ ما تَحتَ أيْدِيهِم مِـنْ قَلِـيلٍ أوْ كَثِيرٍ بِشَرطٍ أنْ
لاّ يَتَغـيرَ حَـقٌ مِنْ حِقوقِهِم فِي شَرائِعِهِم, كَذلِكَ أنْ لا يُنْغصَ شَيءٌ مِـنْ
أمْرِ سِلْطانِهِم, وَمِنْ غَيْرِ أنْ يَكُونُوا مُبتَلِينَ بِظُلْمٍ بَعدَ دَفعِهِم لِرَسُولِ اللهِ
الجِزيَةِ الكامَلةِ عَنْ قَوْمِهِم مِنْ كُلِّ عامٍ,,
فَرَأوا مِنهُ حُكْماً عَدْلاً فِي شَريعَتِهِ السَمْحاءِ وَرَجَعُوا إلى قَوْمِهِم راضِينَ
وَلكِنْ قََـَدْ انقَطَعتْ تِلْكَ الجِزيَةِ عَـنْ بنِّي نَجْران بَعـدَ وَفاةِ النبِّي فِي عَهْدِ
حُكْمِ الأمَوِّيينَ البَِلاد, وَمَّا أدري هَلْ هِيَّ تَقِيَةٌ اتَخَذوها عُلَماءُ المُسلِمِينَ
بِعَدَمِ تَحَرُكِهِم ساكِناً بِتَجْديدِ الجِزيَةِ لِدِفعِها إلى دِينِ الإسْلامِ بَعـدَ إسقاطِ
الدَوْلَةِ العَباسِيَة أوْ فِي عَصْرِنا هذا, وَهَلْ يُحاسَبُونَ عَلى التَقصِير لِعَدمِ
تَبْلِيغِهِم إنْ عَلِمَ اللهُ تَعالى بِقِدرَتِهِم عَلى النَصارى,,
وَالمُرادُ مِنْ هَدفِ نِزُول هذهِ الآيَة وَسَبَبِ تَخْصِيصِ عَليٍّ بن أبي طالبٍ
وَفاطمَة الزَهراءِ وَولدَّيْهُما الحَسَنِ وَالحُسينِ بالمُباهَلَةِ فإنهُم أخْصُ أهْلَ
بَيْتِ النَبِّي فِي ذِلِكَ الوَقتِ وَفِيهِ دَلِيلٌ آيَـة التَطْهِير نَزَلَت بَعـدَ هـذِهِ الآيَـة
فإنَها لاّ شَيءٌ أقوى مِنْها على طَهارَةِ أصْحابِ الكِساءِ الخَمْس صَلواتُ
اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِم دُونَ أنَ يَبتَهِلَ النَبِّيُ الأمِين بِرجالِ قَوْمِـهِ وَنِساءِهِم
وَأولادِهِم مِنْ قُرَيشٍ, مَعَ إنَهُ تَعالى قَرَنَ عَلِياً بِنَفسِهِ فَلُقِبَ بِنَفسِ مُحَمَدٍ
انتَهى تَفسِيرُ العَلامَة ألحجاري الرُمَيثي
وَكانَ رَأيُ آيَة الله السَيد مَحمَد حِسين الطَباطَبائي بتَفسِيرهِ آيَةِ المُباهَلَة
قولَهُ تَعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْـدِ مَا جَاءَكَ مِـنَ الْعِلْمِ) الفاءُ للتفريع
وهـوَ تفريع المُباهلة على التعليم الإلهي بالبيان البالغ في أمـر عيسى
بـن مريم عليهما السلام مع ما أكـدهُ في ختمـهِ بقولـهِ (الْحَقُّ مِنْ رَبِّـكَ
فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) والضميرُ في قولهِ فِيهِ راجع إلى عيسى أو إلى
الحق المذكور في الآية السابقة, وقد كان البيان السابق منه تعالى مع
كونه بياناً إلهياً لا يرتاب فيـه مشتملاً على البرهان الساطع الذي يـدل
عليه قوله: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية، فالعلم الحاصل فيه
علم من جهة البرهان أيضاً،, ولذلك كان يشمل أثره رسول اللـَّه صلى
الله عليه وآلـه وسلم وغيره من كـل سامع فلـَو فرض تردد مـن نفـس
السامع المحاج من جهة كـَون البيان وحياً إلهياً لـَم يَجـز الارتياب فيهِ
مـن جهةِ كونـه برهاناً ينالهُ العقل السليم، ولعلهُ لذلك قِيلَ: مـن بعـدما
جاءك من العِلم ولم يقل من بعدِ ما بيناهُ لهم, وهاهنا نكتة أخرى وهي
أن في تذكيرهِ صلى اللـَّه عليه وآله وسَلَم بالعلم تطييباً لنفسهِ الشريفة
أنـه غالب بإذن اللـَّه، وأن ربـه ناصرهُ وغير خاذله البتة, قولـه تعالى
(فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)
المُتكلم مع الغير في قولهِ نـدْعُ غيره في قولهِ أبناءنا ونساءنا وأنفسنا
فإنه في الأول مجموع المتخاصمين من جانب الإسلام والنصرانية،,
وفي الثاني وما يلحق بـه مـن جانب الإسلام ولـذا كان الكلام في معنى
قولِـنا: نـدع الأبـناء والنساء والأنفـس. فندعـُو نحن أبناءَنـا ونساءَنـا
وأنفسنا. وتدعون أنتـُم أبناءكم ونساءكم وأنفسكم.. ففـي الكلام إيـجاز
لطيف.. والمباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بـين
رسول الله وبـين رجال النصارى. لكن عممت الدعوة للأبناء والنساء
ليكون أدل على اطمئنان الداعي بصدق دعواه وكونـه على الحق لِـما
أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبتهم والشفقة عليهم فتراه
يقيهم بنفسه ويركب الأهوال والمخاطرات دونهم، وفي سبيل حمايتِهم
والغيرَة عليهم والذب عنهم. ولذلك بعينه قدم الأبناء على النساء. لأن
محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوَم. ومن هنا يظهر فساد ما ذكره
بعض المفسرين أن المراد بقولهِ ( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) "الخ" ندع
نحن أبناءكم ونساءكم وأنفسكم، وتدعوا أنتـُم أبناءنا ونساءنا وأنفسنا
وذلك لإبطالهِ ما ذكرناهُ من وجهٍ تشريك الأبناء والنساء في المباهلة..
وفي تفصيل التعداد دلالة أخرى على اعتماد الداعي وركونه إلى الحق
كأنه يقول: ليباهِل الجمع الجمع فيجعل الجمعان لعنة الله على الكاذبين
حتى يشمل اللعن والعـذاب الأبناء والنساء والأنفس فينقطع بذلك دابـر
المُعاندين، وينبت أصل المبطلين, وبذلك يظهر أن الكلامَ لا يتوقف في
صدقهِ على كثـرةِ الأبناء. ولا على كثرةِ النساء. ولا على كثرةِ الأنفس
فإن المقصود الأخِير أن يهلكَ أحدُ الطرفين بمَن عندهُ من صغير وكبير
وذكور وإناث، وقد أطبقَ المفسرونَ واتفقت الرواية وأيدهُ التاريخ أن
رسولَ الله صلى الله عليه وآلـه وسلم حضر للمباهلةِ ولـم يحضر معه
إلا علي وفاطمة والحسنان عليهـم السـلام.. فلـم يحضر لـها إلا نفسان
وابنان وامرأة واحدة وقد امتثل أمر الله سُبحانه فِيها..
انتَهى تَفسِيرُ المِيزان لِسَيد الطَباطبائِي
وَفِي تَفسِير التِبيان لإمامِ الشِيعَةِ الشَيخ الطُوسِي (قُدسَ سِرَهُ الشَريف)
آيـة بَلا خِلاف. المعنى الهاءُ في قولهِ (فِيه) يُحتمل أن تكُونَ عائدةٌ إلى
أحدِ أمرين: أحدهُما إلى عيسى في قولهِ إنَ مثلَ عِيسى عندَ اللـَّهِ" في
قوْلِ قتادة, الثاني أن تكون عائدة على الحق في قولهِ " الحَق مِن ربكَ
والذينَ دعاهُم النبي صلى اللـَّه عليه وآلـه في المباهلة نصارى نجران
ولمّا نزلت الآيـة أخـذ النبي صلى اللـَّه عليه وآلـهِ بيـَد علـي, وفاطمـة
والحَسـن, والحُسـين عليهِم السـلام،, ثـم دعـا النصارى إلـى المباهـلة
فأحجَمُوا عنها، وأقـرُوا بالذلـةِ والجزية, ويقال: إن بعضهم قال لبعض
إن باهلتمُوه اضْطرم أنوادي ناراً عليكم ولم يبقَ نصراني ولا نصرانية
إلى يوم القيامة وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأصحابهِ مثل
ذلك ولا خلاف بين أهل العِلم أنهم لم يجيبُوا إلى المباهلة اللغة والمعنى
وَتعالُوا أصله منَ العِلـو يقال منهُ تعاليْت أتعالى تعالياً إذا جئتَ وأصلهُ
المجئ إلى الارتفاع إلا أنـهُ كثـر فـي الاستعمال حتـى صار لكـل مَجيء
وصار تعالى بمنزلة هلُم..
وقِيل في معنى الابتهال قوْلان أحدهما الإلتعان بهله الله أي لعنهُ وعليه
بهلة الله. الثاني: بتهل ندعُوا بهلاك الكاذب. وقال لبيد نظر الدهر إليهم
فابتهل(1) أي دعا عليهم بالهلاك كاللعن، وهو المباعدة من رحمةِ الله
عقاباً على معصيتهِ فلذلك لا يجوز أن يلعن مَن ليسَ بعاص من طفلٍ أو
يهيمة أو نحو ذلك. وقال أبو بكـْر الرازي: الآيـة تـدلُ على أن الحَـسن
والحُسين ابناه، وأن ولِـد البنت ابن على الحقيقة.. وقال ابن أبي علان
فيها دلالـة على أن الحَسن والحُسين كانـا مُكلفين فـي تلكَ الحال,, لأن
المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين واستدل أصحابنا بهذه الآيـة على أنَ
أميرَ المؤمنين ع كان أفضلُ الصَحابة مِن وجهين أحدهُما أنَ موضوعَ
المباهلة ليتميز المُحِق من المُبطل وذلك لا يصح أن يفعـل إلا بمَن هـوَ
مأمُون الباطن مقطوعاً على صحةِ عقيدتهِ أفضل الناس عند اللهِ,,
والثاني: أنـهُ صلى اللـَّه عليه وآلـه جعلـهُ مـثل نفسه بقولِـهِ (وَأَنْفـُسَنَا
(وَأَنْفُسَكُمْ) لأنهُ أرادَ بقولهِ (أَبْنَاءَنَا) الحسن والحسين ( ع ) بلا خلافٍ
وبقولهِ ( وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ) فاطمة ( ع ) وبقولهِ (وَأَنْفـُسَنَا) أرادَ بـهِ
نفسه، ونفس عَلي ( ع ) لأنه لَم يحضَر غيرهُما بلا خلافٍ، وإذا جعلهُ
مثل نفسه، وجبَ ألاّ يُدانيه أحَد في الفضل، ولا يُقاربـه. ومتى قِيل لهُم
أنـهُ أدخل في المباهلةِ الحسن والحسين ( ع ) مع كَونِهما غـير بالغين
وغـير مُستحقِين للثوابِ،, وإن كانـا مُستحقِين للثوابِ لـمْ يكُـونا أفضَل
الصحابةِ. قالَ لهُم أصحابنا إنَ الحسن والحسين ع) كانا بالغين مكلفين
لأن البلـوغ وكـمال العَقـل لا يفتقِـر إلى شـرطٍ مخصوص, ولـذلك تكلـم
عيسى في المهد بما دل على كونه مكلفاً عاقلاً وقد حكيَت ذلك عن إمام
من أئمة المعتزلة مثل ذلك وقالوا أيضاً أعني أصحابنا إنهُما كانا أفضل
الصحابة بعدَ أبيهما وجدِهِما لأن كثرة الثواب ليسَ بموقوفٍ على كثرةِ
الأفعال، فصغر سِنهُما لا يمَنع مِن أن يكُون,,
انتَهى تَفسِير الشَيخُ الطُوسِي
فلًًمّا جاءَ يَوْمُ غـَدٍ فآتـُوا النَبِّي صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ: وَقَـَدْ غـَدا مُحتَضِناً
الحُسَينِ وَآخِذاً بيَدِ الحَسَنِ, وَفاطمَةُ الزَهراء تَمْشِي خلْفِ أبِيها, وَعليٌ
خَلْفَها, وَهُـوَ يَقـُول: إذا أنا دَعوْتُ فأمِنـُوا,, وَخَرَجَ مِـنْ بَينِهِم أسْقفَهُم
الكاهِن الأعظَم يَتَقدَم إلى النبيِّ فلَّمّا رَأى النَبِّي صَلى اللهُ عليهِ وَآلهِ قـَدْ
أقبْلَ بمَنْ مَعَهُ فسَألَ عَنهُم فقِيلَ لَهُ هذا عَليُ ابْن عَمَهُ وَزَوْج ابنَتَهُ وَإنَهُ
أحَبُ الخَلْقَ إلَيهِ, وَهذان أبْنا بنْتَهُ مِنْ عَليِّ: وَهـذِهِ الجاريَة بنْتهُ فاطِمَةُ
الزَهْراء هِيَّ أعَزُ الناسَ عَليهِ وَأقربَهُم إلى قِلْبِهِ,,
فَتَقدَّمَ رَسُولُ الله فَجَثا عَلى رُكبَتَيهِ: وَقالَ أبُـو حارثَةَ الأسْقَف جَثا وَاللهِ
مُحَمَدٌ كَمّا جَثا الأنبياءُ لِلمُباهَلَةِ فرَجَعَ الأسْقفُ وَلَمْ يَتَقدَم للمُباهَلَةِ وَقالَ
يا مَعشَرَ النَصارى إنِي لاّ أرى وجُوهاً لـَوْ شاءَ اللـَّهُ أنْ يُزيلَ جَـبْلاً مِنْ
مَكانِهِ لأزالَهُ بِهذهِ الوجُوه فلاّ تَباهِلُوا مُحَمدٌ فتَهْلكُوا فلاّ يَبْقَ عَلى وَجْهِ
الأرضِ نَصرانِيٌّ إلى يَوْمِ القِيامَةِ,,
قالُوا رَأيْنا أنْ لاّ نُباهلُكَ يا مُحَمَد وَلاّ نَقرُكَ عَلى دِينِكَ ونُثَبِتَ أمْرَنا عَلى
دِينَنا دِين المَسِيح بنُ مَريَم بِشَرائِعِهِ,,
قالَ النَبِّيُ فإذا أبَيْتمُ عَنْ المُباهَلَةِ فاسْلِمُوا يَكُنْ لَكُم مّا لِلمُسلِمِينَ وَعلَيْكُم
مّا عَليْهُم, فأبُوا أنْ يَطِيعُوا قَـَوْلَ رَسُول اللـَّهِ, فَقالَ النَبِّيُ يا بَنِِّي نَجْران
الأمْرُ يَتَطَلَب بِشَرطِهِ أنْ تَسْلِمُوا لِهذا الدِين وَإلاّ تَدفَعُونَ الجِزيَةَ فِي كُلِّ
عـامٍ,, قالـُوا نَدفَعُها لَكَ وَمّا لـَنا بِحَـرْبِ العَـرَبِ طاقـَةً, وَلكِـن نـُصالِحُكَ
يا مُحَمَد عَلى أنْ لاّ تَغزُوَّنا, وَلاّ تَخِيفَنا فِي تَوْحِدَنا هـذا, وَلاّ تَردَنا عَـنْ
دِينَنا عَلى أنْ نُؤدِي لكَ كُلِّ عامٍ ألفَيِّ حِلَةٍ ألَفاً تُؤدِيَ لَكَ في صَفَرِ: وَألفاً
تُؤدِيَ فِي رَجَبٍ, وَنَزيدُكَ ثَلاثونَ دُرعاً مِنَ حَدِيدٍ, فصالَحَهُم النبِّيُ صَلى
اللـَّهُ عَليهِ وآلِـهِ عَلى ذلِكَ, وَقالَ: وَالذِي نَفسِي بيَدِهِ أنَ الهَلاكَ قـَدْ تـَدَلى
علَيْكُم وَلَـوْ أنَكُم لاعَنْتـُم لَمَسَخَكُمُ اللـَّه قِـرَدَةً وَخَنازيـرَ كَمّا مَسَخَ اليَهُـود
مِنْ قَبلِكُم,,
فاتَفـَقَ رَأيْـهُم أنْ لاّ يُجِيبُـوا الرَسُول الكَريـم, لأنَهُم عَرفـُوا إنْ باهَلـُوه
في دِيِنِهِ وَأهْـلِ بَيتِهِ هُلِكُـوا جَمِيعاً، فَبَذلـُوا لَـهُ الجِزيَة بَـدَلاً عَـنْ وقـُوعِ
الحَـربِ عَلى أنْ يَضَّـلَ كُـلُّ ما تَحتَ أيْدِيهِم مِـنْ قَلِـيلٍ أوْ كَثِيرٍ بِشَرطٍ أنْ
لاّ يَتَغـيرَ حَـقٌ مِنْ حِقوقِهِم فِي شَرائِعِهِم, كَذلِكَ أنْ لا يُنْغصَ شَيءٌ مِـنْ
أمْرِ سِلْطانِهِم, وَمِنْ غَيْرِ أنْ يَكُونُوا مُبتَلِينَ بِظُلْمٍ بَعدَ دَفعِهِم لِرَسُولِ اللهِ
الجِزيَةِ الكامَلةِ عَنْ قَوْمِهِم مِنْ كُلِّ عامٍ,,
فَرَأوا مِنهُ حُكْماً عَدْلاً فِي شَريعَتِهِ السَمْحاءِ وَرَجَعُوا إلى قَوْمِهِم راضِينَ
وَلكِنْ قََـَدْ انقَطَعتْ تِلْكَ الجِزيَةِ عَـنْ بنِّي نَجْران بَعـدَ وَفاةِ النبِّي فِي عَهْدِ
حُكْمِ الأمَوِّيينَ البَِلاد, وَمَّا أدري هَلْ هِيَّ تَقِيَةٌ اتَخَذوها عُلَماءُ المُسلِمِينَ
بِعَدَمِ تَحَرُكِهِم ساكِناً بِتَجْديدِ الجِزيَةِ لِدِفعِها إلى دِينِ الإسْلامِ بَعـدَ إسقاطِ
الدَوْلَةِ العَباسِيَة أوْ فِي عَصْرِنا هذا, وَهَلْ يُحاسَبُونَ عَلى التَقصِير لِعَدمِ
تَبْلِيغِهِم إنْ عَلِمَ اللهُ تَعالى بِقِدرَتِهِم عَلى النَصارى,,
وَالمُرادُ مِنْ هَدفِ نِزُول هذهِ الآيَة وَسَبَبِ تَخْصِيصِ عَليٍّ بن أبي طالبٍ
وَفاطمَة الزَهراءِ وَولدَّيْهُما الحَسَنِ وَالحُسينِ بالمُباهَلَةِ فإنهُم أخْصُ أهْلَ
بَيْتِ النَبِّي فِي ذِلِكَ الوَقتِ وَفِيهِ دَلِيلٌ آيَـة التَطْهِير نَزَلَت بَعـدَ هـذِهِ الآيَـة
فإنَها لاّ شَيءٌ أقوى مِنْها على طَهارَةِ أصْحابِ الكِساءِ الخَمْس صَلواتُ
اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِم دُونَ أنَ يَبتَهِلَ النَبِّيُ الأمِين بِرجالِ قَوْمِـهِ وَنِساءِهِم
وَأولادِهِم مِنْ قُرَيشٍ, مَعَ إنَهُ تَعالى قَرَنَ عَلِياً بِنَفسِهِ فَلُقِبَ بِنَفسِ مُحَمَدٍ
انتَهى تَفسِيرُ العَلامَة ألحجاري الرُمَيثي
وَكانَ رَأيُ آيَة الله السَيد مَحمَد حِسين الطَباطَبائي بتَفسِيرهِ آيَةِ المُباهَلَة
قولَهُ تَعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْـدِ مَا جَاءَكَ مِـنَ الْعِلْمِ) الفاءُ للتفريع
وهـوَ تفريع المُباهلة على التعليم الإلهي بالبيان البالغ في أمـر عيسى
بـن مريم عليهما السلام مع ما أكـدهُ في ختمـهِ بقولـهِ (الْحَقُّ مِنْ رَبِّـكَ
فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) والضميرُ في قولهِ فِيهِ راجع إلى عيسى أو إلى
الحق المذكور في الآية السابقة, وقد كان البيان السابق منه تعالى مع
كونه بياناً إلهياً لا يرتاب فيـه مشتملاً على البرهان الساطع الذي يـدل
عليه قوله: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية، فالعلم الحاصل فيه
علم من جهة البرهان أيضاً،, ولذلك كان يشمل أثره رسول اللـَّه صلى
الله عليه وآلـه وسلم وغيره من كـل سامع فلـَو فرض تردد مـن نفـس
السامع المحاج من جهة كـَون البيان وحياً إلهياً لـَم يَجـز الارتياب فيهِ
مـن جهةِ كونـه برهاناً ينالهُ العقل السليم، ولعلهُ لذلك قِيلَ: مـن بعـدما
جاءك من العِلم ولم يقل من بعدِ ما بيناهُ لهم, وهاهنا نكتة أخرى وهي
أن في تذكيرهِ صلى اللـَّه عليه وآله وسَلَم بالعلم تطييباً لنفسهِ الشريفة
أنـه غالب بإذن اللـَّه، وأن ربـه ناصرهُ وغير خاذله البتة, قولـه تعالى
(فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)
المُتكلم مع الغير في قولهِ نـدْعُ غيره في قولهِ أبناءنا ونساءنا وأنفسنا
فإنه في الأول مجموع المتخاصمين من جانب الإسلام والنصرانية،,
وفي الثاني وما يلحق بـه مـن جانب الإسلام ولـذا كان الكلام في معنى
قولِـنا: نـدع الأبـناء والنساء والأنفـس. فندعـُو نحن أبناءَنـا ونساءَنـا
وأنفسنا. وتدعون أنتـُم أبناءكم ونساءكم وأنفسكم.. ففـي الكلام إيـجاز
لطيف.. والمباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بـين
رسول الله وبـين رجال النصارى. لكن عممت الدعوة للأبناء والنساء
ليكون أدل على اطمئنان الداعي بصدق دعواه وكونـه على الحق لِـما
أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبتهم والشفقة عليهم فتراه
يقيهم بنفسه ويركب الأهوال والمخاطرات دونهم، وفي سبيل حمايتِهم
والغيرَة عليهم والذب عنهم. ولذلك بعينه قدم الأبناء على النساء. لأن
محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوَم. ومن هنا يظهر فساد ما ذكره
بعض المفسرين أن المراد بقولهِ ( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) "الخ" ندع
نحن أبناءكم ونساءكم وأنفسكم، وتدعوا أنتـُم أبناءنا ونساءنا وأنفسنا
وذلك لإبطالهِ ما ذكرناهُ من وجهٍ تشريك الأبناء والنساء في المباهلة..
وفي تفصيل التعداد دلالة أخرى على اعتماد الداعي وركونه إلى الحق
كأنه يقول: ليباهِل الجمع الجمع فيجعل الجمعان لعنة الله على الكاذبين
حتى يشمل اللعن والعـذاب الأبناء والنساء والأنفس فينقطع بذلك دابـر
المُعاندين، وينبت أصل المبطلين, وبذلك يظهر أن الكلامَ لا يتوقف في
صدقهِ على كثـرةِ الأبناء. ولا على كثرةِ النساء. ولا على كثرةِ الأنفس
فإن المقصود الأخِير أن يهلكَ أحدُ الطرفين بمَن عندهُ من صغير وكبير
وذكور وإناث، وقد أطبقَ المفسرونَ واتفقت الرواية وأيدهُ التاريخ أن
رسولَ الله صلى الله عليه وآلـه وسلم حضر للمباهلةِ ولـم يحضر معه
إلا علي وفاطمة والحسنان عليهـم السـلام.. فلـم يحضر لـها إلا نفسان
وابنان وامرأة واحدة وقد امتثل أمر الله سُبحانه فِيها..
انتَهى تَفسِيرُ المِيزان لِسَيد الطَباطبائِي
وَفِي تَفسِير التِبيان لإمامِ الشِيعَةِ الشَيخ الطُوسِي (قُدسَ سِرَهُ الشَريف)
آيـة بَلا خِلاف. المعنى الهاءُ في قولهِ (فِيه) يُحتمل أن تكُونَ عائدةٌ إلى
أحدِ أمرين: أحدهُما إلى عيسى في قولهِ إنَ مثلَ عِيسى عندَ اللـَّهِ" في
قوْلِ قتادة, الثاني أن تكون عائدة على الحق في قولهِ " الحَق مِن ربكَ
والذينَ دعاهُم النبي صلى اللـَّه عليه وآلـه في المباهلة نصارى نجران
ولمّا نزلت الآيـة أخـذ النبي صلى اللـَّه عليه وآلـهِ بيـَد علـي, وفاطمـة
والحَسـن, والحُسـين عليهِم السـلام،, ثـم دعـا النصارى إلـى المباهـلة
فأحجَمُوا عنها، وأقـرُوا بالذلـةِ والجزية, ويقال: إن بعضهم قال لبعض
إن باهلتمُوه اضْطرم أنوادي ناراً عليكم ولم يبقَ نصراني ولا نصرانية
إلى يوم القيامة وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأصحابهِ مثل
ذلك ولا خلاف بين أهل العِلم أنهم لم يجيبُوا إلى المباهلة اللغة والمعنى
وَتعالُوا أصله منَ العِلـو يقال منهُ تعاليْت أتعالى تعالياً إذا جئتَ وأصلهُ
المجئ إلى الارتفاع إلا أنـهُ كثـر فـي الاستعمال حتـى صار لكـل مَجيء
وصار تعالى بمنزلة هلُم..
وقِيل في معنى الابتهال قوْلان أحدهما الإلتعان بهله الله أي لعنهُ وعليه
بهلة الله. الثاني: بتهل ندعُوا بهلاك الكاذب. وقال لبيد نظر الدهر إليهم
فابتهل(1) أي دعا عليهم بالهلاك كاللعن، وهو المباعدة من رحمةِ الله
عقاباً على معصيتهِ فلذلك لا يجوز أن يلعن مَن ليسَ بعاص من طفلٍ أو
يهيمة أو نحو ذلك. وقال أبو بكـْر الرازي: الآيـة تـدلُ على أن الحَـسن
والحُسين ابناه، وأن ولِـد البنت ابن على الحقيقة.. وقال ابن أبي علان
فيها دلالـة على أن الحَسن والحُسين كانـا مُكلفين فـي تلكَ الحال,, لأن
المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين واستدل أصحابنا بهذه الآيـة على أنَ
أميرَ المؤمنين ع كان أفضلُ الصَحابة مِن وجهين أحدهُما أنَ موضوعَ
المباهلة ليتميز المُحِق من المُبطل وذلك لا يصح أن يفعـل إلا بمَن هـوَ
مأمُون الباطن مقطوعاً على صحةِ عقيدتهِ أفضل الناس عند اللهِ,,
والثاني: أنـهُ صلى اللـَّه عليه وآلـه جعلـهُ مـثل نفسه بقولِـهِ (وَأَنْفـُسَنَا
(وَأَنْفُسَكُمْ) لأنهُ أرادَ بقولهِ (أَبْنَاءَنَا) الحسن والحسين ( ع ) بلا خلافٍ
وبقولهِ ( وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ) فاطمة ( ع ) وبقولهِ (وَأَنْفـُسَنَا) أرادَ بـهِ
نفسه، ونفس عَلي ( ع ) لأنه لَم يحضَر غيرهُما بلا خلافٍ، وإذا جعلهُ
مثل نفسه، وجبَ ألاّ يُدانيه أحَد في الفضل، ولا يُقاربـه. ومتى قِيل لهُم
أنـهُ أدخل في المباهلةِ الحسن والحسين ( ع ) مع كَونِهما غـير بالغين
وغـير مُستحقِين للثوابِ،, وإن كانـا مُستحقِين للثوابِ لـمْ يكُـونا أفضَل
الصحابةِ. قالَ لهُم أصحابنا إنَ الحسن والحسين ع) كانا بالغين مكلفين
لأن البلـوغ وكـمال العَقـل لا يفتقِـر إلى شـرطٍ مخصوص, ولـذلك تكلـم
عيسى في المهد بما دل على كونه مكلفاً عاقلاً وقد حكيَت ذلك عن إمام
من أئمة المعتزلة مثل ذلك وقالوا أيضاً أعني أصحابنا إنهُما كانا أفضل
الصحابة بعدَ أبيهما وجدِهِما لأن كثرة الثواب ليسَ بموقوفٍ على كثرةِ
الأفعال، فصغر سِنهُما لا يمَنع مِن أن يكُون,,
انتَهى تَفسِير الشَيخُ الطُوسِي
الشيخ الحجاري الرميثي
مواضيع مماثلة
» كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً: من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي
» قصة النبي عُزير أماتهُ الله مائة عامٍ ثمَ بعثهُ حياً: من تفسير الشيخ الحجاري الرميثي
» أحسنُ ما أنزلَ في قصَة طالوتَ وجالوت, وقتلَ داوود جالوت: تفسير الشيخ الحجاري الرميثي
» أفضل تفسير لمذهبنا معراج النبي فكان قابَ قوسَين أو أدنى للعلامة الشيخ الحجاري الرميثي
» آية السِحر: وما أُنزِل على الْمَلَكين ببابِل هارُوتَ ومارُوتَ: تفسير الشيخ الحجاري
» قصة النبي عُزير أماتهُ الله مائة عامٍ ثمَ بعثهُ حياً: من تفسير الشيخ الحجاري الرميثي
» أحسنُ ما أنزلَ في قصَة طالوتَ وجالوت, وقتلَ داوود جالوت: تفسير الشيخ الحجاري الرميثي
» أفضل تفسير لمذهبنا معراج النبي فكان قابَ قوسَين أو أدنى للعلامة الشيخ الحجاري الرميثي
» آية السِحر: وما أُنزِل على الْمَلَكين ببابِل هارُوتَ ومارُوتَ: تفسير الشيخ الحجاري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى